عندما يخطر في بالك سؤال من هذا النوع، فعلى الأغلب أنت على الطريق الصحيح، أنت تحاول فهم أولوياتك في هذه الحياة، وتحاول جاهداً لوضع خطة تصحيحية لمسار حياتك، وفي هذا الجانب لا توجد إجابة قاطعة ، فالجانب المالي والجانب الروحي هما جزءان مهمان من حياة الإنسان، ولا يمكن إهمال أحدهما على حساب الآخر.
فالجانب المالي يساعد الإنسان على تلبية حاجاته الأساسية وتحسين مستوى معيشته وتحقيق طموحاته، ولكنه لا يكفي لإسعاده وراحته إذا لم يكن مرتبطا بقيم وأخلاق ومبادئ.
أما الجانب الروحي فيساعد الإنسان على تنمية علاقته بالله ونفسه والآخرين، ويمنحه معنى وغاية لحياته، ويزرع فيه الثقة والرضا والسلام، ولكنه لا يكفي لإعالته وتأمينه إذا لم يكن مرتبطا بجهد وعمل وإنتاج.
لذلك، يجب على الإنسان أن يحافظ على التوازن بين الجانب المالي والجانب الروحي في حياته، وأن يستخدم المال كوسيلة لتحقيق الغاية الروحية، وأن يستخدم الروح كدافع للحصول على المال. فالإسلام لا يرفض المال أو يحظره، بل يشجع على طلبه بالطرق الحلال، ويأمر بإنفاقه في سبيل الله وخدمة المجتمع. كما أن الإسلام لا يزهد في الروح أو يتركها، بل يرفع قدرها ويكرمها، ويوجهها إلى طاعة الله وإخلاص العبادة. فالإسلام دين التوسطية والوسطية، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].
في هذا المقام، نستطيع أن نستشهد بأقوال بعض العلماء والفلاسفة حول هذا الموضوع، فقد قال ابن خلدون: “إذا كان المال هو سبب التغير في حظوظ الأشخاص فإن التغير في حظوظ المجتمعات هو سبب التغير في حظوظ المال”.
وقد قال ابن تيمية: “لا خير في مال لا تُصْرَفُ منْهُ صَدَقَةٌ، كَذَٰلِكَ لَا خَيرَ فِي رُوحٍ لَا تُصْرَفُ مِنْهَا صَدَقَةٌ”
. وقد قال ابن عطاء الله: “لا تُغْرِكْ نِعْمَةٌ فِي نِفْسِكَ، فَتُضِّرُّكَ بِغَيرِكَ. فَإِذَا رُزِقْتَ مِنْ نِعْمَةٍ فَاجْعَلْهَا مِنْكَ إِلَى غَيْرِكَ، وَلَا تُحْبِسْهَا عَنْكَ إِلَى نَفْسِكَ”.
وقد قال الإمام علي: “المال مُحِبٌّ لِمَنْ يُحِبُّهُ، وَمُبْغِضٌ لِمَنْ يُبْغِضُهُ. فَمَنْ أَحَبَّهُ أَطَاعَهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ أَطَاعَهُ الله. وَمَنْ أَبْغَضَهُ عَصَاهُ، وَمَنْ عَصَاهُ عَصَا الله”.